إن من أكثر ما يشغل الوالدين زرع القيم الحميدة في قلوب أطفالهم الصغار، وهي من أكبر التحديات التي يمر بها الوالدان. هنا أريد أن ألفت نظر الوالدين إلى فكرة عميقة جدًا، وبتطبيقها سيسهل زرع القيمة في الطفل وإلى الأبد بإذن الله.
كثيرًا ما نرى الأب التاجر ابنه يصبح تاجرًا، والأم التي تحب الطبخ ابنتها تصبح ماهرة في الطبخ. كذلك، الأب الذي يقضي ساعات على هاتفه نجد أبناءه يقضون ساعات على الأجهزة الإلكترونية، والأم التي تقرأ نجد أبناءها يحبون القراءة.
لماذا يا تُرى؟!
في علم نفس الطفل، يقال إن الطفل بطبيعته لا يحب سماع الكلام أو تنفيذ الأوامر، بل يحب ويتلذذ بالتقليد والاقتداء. فإذا كنتم تريدون زرع قيمة أبدية في قلب طفلكم الصغير، احرصوا كل الحرص على أن يرى هذه القيمة فيكم أولًا.
المثال الأول:
إن كنتم تريدون زرع قيمة القراءة في طفلكم، احرصوا أن يراكم بشكل مستمر وأنتم تقرأون.
وهنا يجب عليَّ تذكيركم بأمر مهم جدًا، وهو أن الطفل ذكي وذكي جدًا، ويفهم إن كنتم تقرأون ليروا فقط، سيدرك ذلك في ثوانٍ.
جميل أن نحفز الطفل على القراءة، لكن الأجمل أن يراني أقرأ ومستمتع بالقراءة لدرجة أن ينتابه الفضول ويسأل: “ماذا تقرأ؟”
هنا فرصتكُم الذهبية التي حضرتم لها مسبقًا بكتاب يناسب عمره مثلًا تقدمونه له.

المثال الثاني:
إن كنتم تريدون زرع قيمة الاحترام في طفلكم، احرصوا أن يراكم أنتم كوالدين تحترمون بعضكم أمامه، وتحترمونه كطفل إنسان له مشاعره واحتياجاته.
احرصوا أن يرى أمامه احترامكم وبركم بوالديكم إن كانوا أحياء أو أمواتًا.
ناقشوه أو تناقشوا بحب واحترام أمامه عن قيمة الاحترام.
اجعلوه يرى القيمة فيكم، لتنغرس فيه القيمة بعمق.

لذا احرصوا على زرع القيمة في أنفسكم أولًا، وأن الأوامر ليست الطريقة الوحيدة في زرع القيم في الطفل.
أذكر أنني كنت أتعمد أن أفرش سجادتي أمام أبنائي منذ صغرهم، وهم في عمر السنة، وأصلي أمامهم دون أن أطلب منهم الصلاة معي. كانوا ينظرون لي بعمق، فهذا يشتغل على عقلهم اللاواعي بعمق. كانوا وقتها إما يكملون اللعب أو يأتون ويقلدونني. في كل الحالتين، كنت قد أتممت المهمة بأن أزرع الصورة الذهنية الرائعة في عقلهم وقلبهم.
وأحيانًا أخرى كنت أشتري لهم لباسًا خاصًا للصلاة، ليحمسهم على تجربته. وأحيانًا كنت أطلب منهم أن يصلوا معي.
وينطبق كلامي على كل قيمة تريدون زرعها في الطفل.
ابدعوا وابتكروا، وتذكروا دائمًا أن الطفل لا يحب الاستماع للأوامر، بل يقتدي بالوالدين.